مقالات - Articles

كارثة صامتة في بيتك: سموم تهدد دماغ الجنين

في زوايا منازلنا، حيث نشعر بالأمان والدفء، يختبئ عدو غير مرئي يهدد أغلى ما نملك: صحة أطفالنا قبل أن يولدوا. هذه ليست مبالغة، بل حقيقة علمية، قد يبدأ الأمر من عبوات البلاستيك إلى العطور ومزيلات العرق، وتتسرب مواد كيميائية إلى أجسادنا دون أن ندرك، لتصل إلى أرحام الأمهات وتؤثر على نمو أدمغة الأجنة. نحن لا نتحدث عن تهديد نظري، بل عن كارثة صامتة في منازلنا وسموم تهدد دماغ الجنين، فما هي تلك السموم؟ وكيف يمكن تجنبها؟

انضم إلى قناة بوابة الاخبار المجانية على الواتساب نصيحة صحية يومية للحصول على نصائح طبية متنوعة يوميًا.

سموم تهدد دماغ الجنين

في قلب الحياة اليومية، وبين المنتجات التي نعتقد أنها آمنة، تختبئ مركبات كيميائية تُعرف بالفثالات (بالإنجليزية: Phthalates)، تُستخدم لتليين البلاستيك ومنحه مرونة إضافية. توجد هذه المواد في كل شيء تقريبًا، من أغلفة الطعام والألعاب إلى الشامبو وطلاء الأظافر والعطور ومزيلات العرق. وبحسب وكالة حماية البيئة الأمريكية ( Environmental Protection Agency , EPA)، تنتقل الفثالات بسهولة من هذه المنتجات إلى الهواء والطعام والجلد، ما يجعل التعرض لها شبه يومي، حتى دون إدراك.

المشكلة تبدأ حين تدخل هذه السموم الجسم، سواء عن طريق التنفس، والأكل، أو حتى الامتصاص عبر الجلد. وبمجرد وصولها إلى مجرى الدم، تستطيع عبور المشيمة، لتصل مباشرة إلى الجنين. هذا ما أكدته مراجعة علمية نُشرت في مجلة الصحة البيئية  (بالإنجليزية: Environmental Health Perspectives)، حيث أظهرت أن تعرض المرأة الحامل للفثالات قد يؤدي إلى اضطرابات في النمو العصبي لدى الجنين، كما يتسبب بخلل في التوازن الهرموني قد يؤثر على قدراته الذهنية والسلوكية في المستقبل.

الخطورة لا تكمن فقط في وجود هذه السموم، بل في صمتها، إذ لا تصدر إنذارًا ولا تترك أثرًا ظاهريًا، لكنها تعبث في أكثر المراحل حساسية في تكوين الإنسان: تطور الدماغ داخل الرحم.

شاهد أيضًا: 5 منتجات أساسية لحياة الأمهات الجدد

سموم تهدد دماغ الجنين

تأثير السموم على دماغ الجنين

حين يتعلق الأمر بنمو دماغ الجنين، فإن التوازن الكيميائي داخل جسم الأم يلعب دورًا بالغ الحساسية. أي اختلال في هذا التوازن، خصوصًا الناتج عن التعرض لمواد خارجية مثل الفثالات، قد تكون له تبعات طويلة الأمد على البنية العصبية والسلوك المستقبلي للطفل، في حين بدأت الدراسات الحديثة تكشف عن مدى خطورة هذا التأثير على المستوى الجزيئي.

اضطراب النواقل العصبية الأساسية

الدراسة المنشورة في مجلة الطبيعية (بالإنجليزية: Nature Communications) كشفت أن ارتفاع مستويات الفثالات في بول الأمهات خلال الحمل ارتبط بانخفاض مستويات أحماض أمينية مهمة مثل التيروزين والتريبتوفان. هذان المركبان ضروريان لإنتاج النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، والتي تعتبر من المحركات الرئيسية لنمو الدماغ وتنظيم وظائفه.

السيروتونين، بشكل خاص، يُعد مسؤولًا عن المزاج، والنوم، الانتباه والذاكرة. انخفاض مستوياته أثناء تكون الجنين قد يؤدي لاحقاً إلى مشاكل سلوكية، تأخر في التعلم، وضعف في التركيز. وأظهرت اختبارات الانتباه التي أُجريت على الأطفال أن أولئك الذين تعرضوا للفثالات داخل الرحم كانوا أقل تركيزاً وأبطأ في الاستجابة مقارنة بغيرهم.

التأثير على الهرمونات والغدد الصماء

تُصنف الفثالات ضمن ما يُعرف بمُعطّلات الغدد الصماء (بالإنجليزية: Endocrine Disruptors)، أي أنها تتدخل في عمل الهرمونات الطبيعية بالجسم. من أبرز ما يتأثر بها هو هرمون الثيروكسين، المسؤول عن نمو الدماغ والعظام. انخفاض هذا الهرمون في فترات الحمل الحرجة يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ في النمو العقلي والمعرفي لدى الطفل، وهو ما رُصد بوضوح في دراسة أتلانتا التي نشرت أيضًا في مجلة الطبيعة، وتابعت نساء حوامل أمريكيات من أصول إفريقية، وربطت بين التعرض للفثالات والتغيرات الهرمونية المؤثرة على تطور أدمغة الأجنة.

شاهد أيضًا: دليلك الشامل حول طيف التوحد

تأثير السموم على دماغ الجنين

التعرض اليومي لسموم تهدد حياة الجنين

في الحياة اليومية، من السهل جدًا أن نجد أنفسنا محاطين بالفثالات دون وعي. عبوة المياه البلاستيكية التي نعيد استخدامها، الطعام الذي نغلفه بورق بلاستيكي، مستحضرات التجميل التي نضعها كل صباح، وحتى ستائر الحمام أو الأرضيات الفينيل، كلها مصادر محتملة لهذه المواد الكيميائية.

المشكلة الأكبر أن الفثالات لا تبقى ثابتة في المنتج، بل تتحرر مع الحرارة أو الاحتكاك أو مرور الوقت، وتنتقل إلى البيئة المحيطة. منظمة الصحة العالمية (WHO) حذّرت من أن بعض أنواع الفثالات يمكن أن تؤثر على التطور الجنسي لدى الأطفال، كما ترتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالتوحد، اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (بالإنجليزية: Attention-deficit/hyperactivity disorder, ADHD)، وتأخر اللغة لدى الأطفال.

في هذا السياق تمت الإشارة إلى أن بعض أنماط الحياة تزيد من التعرض للفثالات، مثل استخدام الميكروويف لتسخين الطعام داخل عبوات بلاستيكية، أو الإفراط في استخدام مستحضرات التجميل المليئة بالعطور الاصطناعية.

صحة الجنين

طريقة تجنب سموم تهدد دماغ الجنين

قد تتساءل في نهاية المطاف ، ما الذي يمكن فعله لحماية الأجنة؟ إن الإجابة تكمن في تغيير العادات اليومية للحد من التعرض للفثالات، ويُنصح بالاعتماد على المنتجات العضوية أو تلك الموسومة بأنها “خالية من الفثالات”. إليك بعض الإجراءات العملية:

  • استبدال عبوات البلاستيك بزجاج أو ستانلس ستيل، خصوصًا لتخزين أو تسخين الطعام.

  • تجنب مستحضرات التجميل المعطرة والبحث عن منتجات طبيعية.

  • قراءة المكونات بعناية والابتعاد عن المنتجات التي تحتوي على DEHP، DBP، أو BBP.

  • تهوية المنزل بانتظام للتقليل من تراكم المركبات العضوية المتطايرة.

  • استخدام الألعاب والمنتجات الخاصة بالأطفال الخالية من الفثالات، والمصدق عليها من جهات رقابية معتمدة.

شاهد أيضًا: تعرفي على أهم منتجات السفر مع الأطفال

طريقة تجنب سموم تهدد دماغ الجنين

 خاتمة 

نلاحظ أن حماية دماغ الجنين ليست مهمة طبية فقط، بل مسؤولية مجتمعية تبدأ من تفاصيل الحياة اليومية في منازلنا، حيث إن المواد الكيميائية مثل الفثالات تشكل خطرًا حقيقيًا، غير محسوس، يهدد جيل المستقبل من لحظة التكوين، وقد يكون من الصعب تجنبها كليًا، لكن تقليل التعرض لها يبدأ بخطوات بسيطة وواعية، يمكن تقليص حجم هذه الكارثة الصامتة، لنمنح أبناءنا بداية أكثر أمانًا وفرصًا أكبر لنمو صحي وسليم.


رابط المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى