بين مواجهة جيش الظل الإيراني واستعادة السيادة… هل تتحول…

بدأ فصل جديد أشد تعقيداً، في سورية ما بعد بشار الأسد، فالبلد الذي أنهى لتوه حقبة دامت عقودا، بات يواجه “جيش الظل” الإيراني الذي لم يكتفِ بالتغلغل في مؤسسات الحكم، بل نسج شبكة تهريب عابرة للحدود، جمعت بين السلاح والمخدرات والولاءات العشائرية.
هذه الشبكة لم تكن مجرد شريان دعم لنظام الأسد و”حزب الله”، بل تحوّلت إلى بنية موازية تتحدى مفهوم السيادة ذاته، وفي ظل هشاشة الدولة، لا تبدو المواجهة مجرد حملة أمنية، بل اختبار وجودي: إما استعادة القرار الوطني، وإما الارتهان المستمر لقوى تتقن فنون الحرب بالوكالة.
فهل تنجح سوريا؟
تقول صحيفة “واشنطن بوست”، إنه بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، تُواجه الحكومة السورية الجديدة تحديات جسيمة لقطع شبكات التهريب التي ظلت لسنوات تشكل “الجسر البري” لإيران وحلفائها، خاصة “حزب الله” اللبناني.
تحديات تسعى الحكومة السورية لسبر أغوارها، عبر تركيز الجهود على الحدود اللبنانية الممتدة 375 كيلومتراً، التي تشكل آخر ما تبقى من “الجسر البري” -وهي شبكة تمتد عبر الأراضي السورية- استخدمتها إيران والمليشيات المتحالفة معها لنقل الأسلحة، والأموال، والمخدرات، والوقود المهرب.
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن هذه الطرق أسهمت في دعم الحكومة السورية السابقة، ومثّلت دعمًا حيويًا لحليف النظام القوي، “حزب الله” اللبناني، بما في ذلك في مواجهته مع إسرائيل.
بينما تشهد المنطقة اليوم تصاعداً في الاشتباكات في قرى حدودية مثل حوش السيد علي، بين القوات السورية وعشائر محلية متحالفة مع “حزب الله”، فبعد أن أعلنت دمشق عن حملة لقطع طرق التهريب، ردت العشائر بهجمات عنيفة أسفرت عن مقتل 3 جنود سوريين مؤخراً.
ويقول القائد العسكري ماهر زيواني، الذي يشرف على العمليات في المنطقة: “نواجه مقاومة شرسة من مجموعات مدعومة إيرانياً. يحاولون إبقاء الطرق مفتوحة، لكننا نغلقها واحدا تلو الآخر”.

من جهتها، تنفي قيادة “حزب الله” المشاركة المباشرة في الاشتباكات، لكنّ محللين مثل حايد حايد من “تشاتام هاوس” يشيرون إلى تعاون وثيق بين الحزب والعشائر.
وقال: “الحدود هنا شبكة معقدة من المصالح المتشابكة. “حزب الله” يعتمد على هذه الشبكات لتجنيد المقاتلين وتهريب الأسلحة، في حين تستفيد العشائر من الأموال التي تدرها هذه العمليات”.
كشف المستور
وكشفت عمليات تفتيش في مدينة القصير الحدودية النقاب عن 15 مصنعاً سرياً لتصنيع “الكبتاغون”، المخدر المُنشط الذي يُعتقد أنه مَوَّل عمليات المليشيات لسنوات.
ووفق تقديرات السلطات السورية، تبلغ قيمة هذه التجارة مئات الملايين من الدولارات، حيث تُهرب الشحنات عبر الحدود إلى دول الخليج وأوروبا.

وفي منطقة صناعية مهجورة بالقصير، اكتشفت القوات -أيضاً- مستودعات أسلحة ضخمة تخزن صواريخ إيرانية الصنع وذخائر متنوعة، تغطي مساحة تعادل 50 ملعب كرة قدم.
وداخل مبنى مدرسة سابقة، عُثر على أدلة تدريبية لـ”حزب الله”، تشمل طائرات مسيرة وخرائط تكتيكية وكُتيبات لتعليم المقاتلين كيفية التخطيط للهجمات.
ويقول سامر أبوقاسم، رئيس الأمن العام في المدينة: “هذه المنشآت كانت قلب العمليات الإيرانية في سوريا. تحولت المنطقة إلى قاعدة عسكرية متكاملة”.
إيران تُغيّر تكتيكاتها
ومع تراجع النفوذ التقليدي لإيران في سوريا، تتهم دمشق طهران بالتحالف مع جماعات سنية متطرفة، بينها عناصر من تنظيم داعش، لزعزعة استقرار الحكم الجديد.
ويقول مسؤول أمني سوري: “نرصد محاولات إيرانية لتمويل هجمات في المناطق الساحلية، بهدف إثارة فتنة طائفية”.
من جانبهم، يحذر مسؤولون أوروبيون من أن طهران قد تعيد إنتاج نموذج “الحرب بالوكالة” عبر شراكات جديدة، فبحسب تقرير سري لجهاز الاستخبارات الألماني (BND) فإن إيران تدرب مقاتلين من جماعات خارج سوريا.
تدمر: مدينة الآثار تتحول لقاعدة عسكرية إيرانية
في تدمر، المدينة الأثرية التي تُعتبر درة التراث العالمي، تكشف الجداريات مثل “الموت لأميركا” عن الوجود الكثيف للمليشيات المدعومة من إيران. فخلال الحرب، استُخدم فندق قديم لإيواء لواء “الفاطميون” الأفغاني، الذي قاتل إلى جانب نظام الأسد.
ورغم تطهير المدينة من الألغام والمتفجرات، تعترف السلطات المحلية بضعف سيطرتها. ويقول زاهر السالم، متطوع في المجلس المدني: “الدولة غائبة هنا. حتى الآن، لم نستطع إعادة فتح الطرق الرئيسية بسبب المخلفات الحربية”.
الاقتصاد الأسود: وقود الاستمرارية
ولا تقتصر شبكات التهريب على الأسلحة، بل تشمل -أيضاً- تهريب الوقود والسلع المدعومة؛ ففي منطقة البوكمال الحدودية مع العراق، تُقدَّر أرباح تهريب النفط الإيراني عبر سوريا بملايين الدولارات شهرياً.
ويقول محللون إن هذه الشبكات أصبحت مصدر رزق رئيسيا لعشرات الآلاف من العائلات في مناطق فقيرة، مما يجهد الحكومة الجديدة بين مطالب الإصلاح الاقتصادي وضرورات قطع التمويل عن المليشيات.
ورغم الإرادة الواضحة للحكومة السورية الجديدة في مواجهة النفوذ الإيراني، تبقى المعركة شائكة؛ فالفوضى الأمنية والاقتصادية، المقترنة بالتدخلات الإقليمية المتنافسة، تُحوّل سوريا إلى ساحة معقدة يصعب السيطرة عليها.
معركة النجاح فيها قد يُعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية، لكنّ الفشل سيعني استمرار البلاد كـ”ساحة مفتوحة” للحرب بالوكالة.
رابط المصدر