بحث كمومي يفضي بأن لا فرق بين الماضي والمستقبل

لن نستطيع أن نتذكر الغد مهما حاولنا جاهدين، ولا يعرف علماء الفيزياء سببًا لذلك، وفي محاولة لاكتشاف مصدر الزمن، بحث علماء في الفيزياء من جامعة سُرّي عن علامات لوجود هذا المصدر في نظام كمومي عالي الطاقة ضمن إطار خارج الزمن.
غني عن القول إنهم لم يجدوا ما كانوا يبحثون عنه، ولكن بدلًا من ذلك، أكدوا أن الزمن يتدفق إلى الوراء بنفس السهولة التي يتدفق بها إلى الأمام في ضجيج ميكانيكا الكم، ولذلك لا نعلم بعد لماذا نختبر اتجاهًا واحدًا دون الآخر، وكأن الفيزياء تصر على وجود التاريخ.
باستخدام المصطلحات الصحيحة نقول إن الفيزياء متناظرة إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بالزمن، فقد لا نرى التحول العكسي من شجرة إلى بذرة، ولكن عند تجريد معظم العمليات إلى قوانينها الأساسية، فنجد أسبابًا قليلة تملي على أي طرف من المعادلة ينطبق اتجاه الماضي أو المستقبل.
توجد كثير من الطرق التي بوسعنا البحث فيها عن أدلة على سبب حبس الماضي في مكانه، فقد نظر علماء الكونيات مثلًا إلى كيفية توسع الكون من حالة منخفضة الإنتروبيا إلى حالة عالية الإنتروبيا، وتساءل علماء الفيزياء الكمومية إن كانت الشبكة دائمة الاتساع للتشابك الكمومي لجسيمٍ مع البيئة تؤدي دورًا ما، وحتى الآن لم يبرز شيء يفسر بوضوح سبب تماسك بُعد الزمن إلى هذا الحد.
تساءل العلماء المشاركون في الدراسة (توماس جوف وشينتالباتي أوماشانكار شاستري وأندريا روكو) إن كانت معادلات الحركة الكمومية تخفي وسائل تجعل العودة إلى حالة الماضي مستحيلة، أي أنهم بحثوا عما يشبه قيدًا يضمن أن قوانين النظام لا تتجه إلى الوراء.
استخدموا تقريبًا رياضيًا يُعرف بسلسلة ماركوف لوصف نموذج مُبسَّط لجسيمات ساخنة تتدافع في فضاء مفتوح، وبتطبيق ديناميكيات ماركوف لا يمتلك النظام ذاكرة تتجاوز الحاضر، وكل حالة كمومية جديدة داخل النظام ستعتمد على حالة سابقة واحدة فقط، ما قد يعني أن الجسيمات ستسلك دربًا باتجاه واحد، وهو إما نحو المستقبل أو نحو الماضي بنفس البساطة، وقد بحث العلماء في مختلف المعادلات، لكنهم لم يتمكنوا من العثور على أي علامات على حظوظ توجه النشاط الكمومي في أحد اتجاهي الزمن المتناظرين، ما يعني أن (ذاكرة) النظام الماركوفي لا تُفضِّل الماضي أو المستقبل.
يقول روكو: «في حين نختبر جميعًا أن الوقت يتحرك في اتجاه واحد فقط، تشير نتائجنا إلى أن الاتجاه المعاكس كان ممكنًا بنفس القدر، وهذا ما لا ندركه».
إذا كان من الممكن تحرك الوقت ذهابًا وإيابًا على المستوى الكمومي، فمن المؤكد أنه لا يتحرك كذلك على نطاق الفيزياء التي نختبرها، ومن المؤكَّد أن نظام النجوم عالي الطاقة سيبرد بسرعة مع تدفق الطاقة إلى الكون المتوسع باستمرار.
يصر الباحثون الثلاثة على أن نتائجهم لا تتعارض مع قانون الديناميكا الحرارية بأي شكل من الأشكال، ففي النهاية بعض قوانين الفيزياء حقًا غير قابلة للعكس. لكن قلب سهم الزمن على مقياس كمومي كان ليشهد حدوث تبريد ثابت، ما يشير إلى أنه لا يوجد شيء خاص جدًا يميز اتجاهًا واحد على الآخر على مقياس كمومي عندما يتعلق الأمر بالديناميكا الحرارية.
إذا كان الأمر كذلك، فاختبارنا للطريق أحادي الاتجاه للزمن ربما يقابله ما يوازنه على الجانب الآخر من الانفجار العظيم عبر طريق ثانٍ، وهو الطريق الذي يحمله أيضًا التوسع الكوني وزيادة الطاقة من نقطة بداية كمية تتذكر المستقبل بسهولة مثلما تتذكر الماضي.
اقرأ أيضًا:
رصد تشابك كمومي في الكواركات القمية، أثقل الجزيئات في الكون
الاختلاس الكمومي: سرقة مشروعة قد توفر مصدرًا لا نهائيا من التشابك الكمي
ترجمة: محمد الشرقاوي
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: ميرڤت الضاهر
المصدر
رابط المصدر