الأوتار أو الندوب الكونية قد تكون مفتاح السفر عبر الزمن!

يقول علماء الفيزياء إنه توجد «ندوب» في عالمنا قد تتيح السفر عبر الزمن!
في اللحظات التي سبقت الانفجار الكبير، كان عالمنا مكانًا ساخنًا كثيفًا عالي الطاقة. تغير كل هذا عندما انفجر الكون قبل 13.8 مليار سنة. قسّم التضخم السريع قوة فائقة واحدة إلى القوى الأساسية الأربع التي نعرفها اليوم: الجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية، والقوى النووية الضعيفة (المسؤولة عن التحلل الإشعاعي)، والقوى النووي القوية (التي تربط النوى الذرية معًا). نشأت الجسيمات الأولية، ثم نتجت ندوبٌ في نسيج الزمكان، ما يسميه الفيزيائيون الأوتار الكونية.
يمكن تشبيه ذلك بعلامات التمدد التي تظهر على الجلد، أو التشققات في الجليد المتجمد. الأوتار الكونية هي آثار لما بدا عليه الكون في اللحظات السابقة لتغيره السريع من بيئة عالية الطاقة إلى منخفضة الطاقة. هذه الأوتار سُمكها مماثل لبروتون، وكثيفة للغاية، ويمتد طولها لسنوات ضوئية.
يعتقد العلماء أن الأوتار الكونية تطفو سلبيًا خلال الكون، دون أن تؤثر أو تتأثر بشيء. لكن دراستها بنشاط قد تكشف أسرار عالمنا المبكر، وقد تكون مفتاحًا لشكل من أشكال السفر عبر الزمن، كما يقترح بعض الفيزيائيين. قد يبدو ذلك من العلوم الزائفة، لكنها فكرة تدعمها نظرية الأوتار الكونية، على الأقل نظريًا.
يقول كين أولوم، أستاذ الفيزياء وعلم الفلك في جامعة تافتس، إن سلاسل كونية غير محدودة ومتوازية ستخلق آلة زمنية بواسطة تزييف وقت الفضاء. إذا سافرت في طريق حول هذه الأوتار، فستعود إلى نقطة البداية في وقت أبكر مما تركته!
رغم صحة الرياضيات خلف هذه الفرضية، يقول أولوم إن علينا ألا نفرط في الحماس. إضافةً إلى المخاوف العملية المتعلقة بآلة الزمن الكونية النظرية، توجد أيضًا إشكالية أن العلماء لم يجدوا دليلًا على وجود السلاسل الكونية حتى الآن.
عام 1991، اقترح ريتشارد جوت، عالم الفيزياء في برينستون، الفكرة الأكثر شعبية للسفر عبر الزمن. في نموذجه، يستكشف جوت كيف يمكن لخيوط غير محدودة متوازية -مثل سيارتين على طريق سريع لا نهاية له- إنشاء مسار منحن في الزمن، أي حلقة تُرجع مسافرًا زمنيًا إلى نقطة الأصل قبل لحظة انطلاقه.
المثير للاهتمام في النظرية أن هذا النوع من حلقة الزمن هو حل مقبول لنظرية النسبية العامة لآينشتاين. باختصار، تخبرنا النظرية أن الأشياء الضخمة تشوه نسيج الزمكان، ما يسمح للمرء أن يتخذ طريقًا مختصرًا عبر الزمن بواسطة التكثيف. تفسر المنحنيات الزمنية المغلقة كيف تعمل الثقوب الدودية نظريًا.
صحة الرياضيات وراء هذه الحلقة الكونية لا تعني بالضرورة إمكانية تحقيق هذا النموذج للسفر عبر الزمن. لأن السفر بسرعات تقترب من سرعة الضوء ما زال أمرًا صعبًا للغاية، إن لم يكن مستحيلًا.
وفقًا للنسبية، كلما كان الكائن أسرع، زادت الطاقة التي يتطلبها لمتابعة التسارع. ببساطة، لا توجد حتى الآن وسيلة لإنتاج الكميات الهائلة من الطاقة، اللازمة لدفع مركبة فضائية إلى مثل هذه السرعات المذهلة.
لكن هذه ليست القضية الوحيدة. بافتراض أن علماء المستقبل سيخططون لبناء آلة زمنية استنادًا إلى هذه الفكرة -بدلًا من التعامل مع فرضية الأوتار الكونية بصورتها الحالية- فإن الطبيعة اللانهائية لسلاسل جوت غير واقعية، إذ لا يمكن صنع شيء طويل بلا حدود. لذلك فإن هذه الفكرة -وإن كانت دقيقة- تظل غير مفيدة.
مع ذلك، مقارنةً بالأنماط النظرية الأخرى للسفر عبر الزمن، مثل الثقوب الدودية، فإن فكرة الأوتار الكونية أكثر إقناعًا، وفقًا لهنري تاي أستاذ الفيزياء بجامعة كورنيل. في الواقع، استكشف تاي ومساعدوه نموذجهم الخاص باستخدام السلاسل الكونية أيضًا.
وفقًا لتاي، فإن السفر عبر الزمن غير مرجح، لكنه ليس مستحيلًا. في الخيال العلمي، عندما يسافر الناس أسرع من الضوء، فهذا من الصعب قبوله، لكن عندما يسافرون إلى الماضي في الوقت المناسب، فإن هذا غير محتمل، لكنه ليس مستبعدًا تمامًا. لكن قبل محاولة تطبيق ذلك في الواقع، توجد مهمة أساسية على العلماء إنجازها أولًا: اكتشاف الأوتار الكونية.
لحسن الحظ، قد يكون اكتشافها أقرب من أي وقت مضى، بفضل مرصد أمريكا الشمالية لموجات الجاذبية «نانوجراف»، وهو تعاون بين علماء الفلك يستكشف موجات الجاذبية منخفضة التردد، بقياس الإشارات التي ينتجها نوع من النجوم يُسمى النجوم النابضة. بقياس الاختلافات الزمنية في نبضات النجم النابض التي تبلغ مدتها ميلي ثانية، يرصد نانوجراف التمدد والانضغاط الدقيقين في الزمكان. لاحظ العلماء سابقًا موجات الجاذبية في بيانات «نانوجراف» و«ليجو»، التي تنشأ من سلوك الثقوب السوداء. عام 2020، رصد الباحثون إشارات تختلف عن هذا النمط.
«لا تبدو مثل الإشارة المتوقعة من الثقوب السوداء، وهذا هو الشيء المثير للاهتمام. إذ قد تكون من الأوتار الكونية الفائقة».
بخلاف الأوتار الكونية، الباقية من الكون المبكر، فإن الأوتار الكونية الفائقة مرتبطة بنظرية الأوتار، التي تقترح أن الكون يتضمن 10 أبعاد أو أكثر، أربعة منها فقط تشكل المكان والزمان كما نعرفه، أما الأبعاد المتبقية فهي نوع من السقالات غير المرئية. في هذا النموذج متعدد الأبعاد، تحل أجسام صغيرة جدًا، هي الأوتار، محل الجسيمات. مثل أوتار الجيتار، تهتز هذه الأوتار بترددات مختلفة، فتشكل الجسيمات الأساسية المختلفة.
لتأكيد كون هذه الإشارات صادرة بالفعل من الأوتار الكونية أم لا، سيحتاج العلماء إلى مزيد من البيانات، التي نأمل أن يزودنا بها نانوجراف في السنوات المقبلة، إضافةً إلى تلسكوب موجات الجاذبية الفضائي «ليزا»، المقرر إطلاقه عام 2034.
حتى إذا توصل العلماء إلى أن هذه الإشارات ليست صادرة من الأوتار الكونية، ستظل معلومات مهمة لتقييد حدود ما تبدو عليه إشارات الأوتار الكونية في المستقبل. إذا أكدت البيانات الجديدة وجود الأوتار الكونية، خاصةً الأوتار الكونية الفائقة، فإن هذا سيغير كل ما نعرفه عن الفيزياء.
«إذا ثبت وجود الأوتار الكونية الفائقة، فسيتأكد أن نظرية الأوتار نظرية فيزيائية أساسية، ما سيغير جذريًا من فهمنا للمفاهيم والأسس الفيزيائية».
اقرأ أيضًا:
ما الذي سيحدث إذا دخل ثقب أسود إلى مجموعتنا الشمسية؟
علماء فلك يحسبون سرعة دوران ثقب أسود هائل
ترجمة: شهد حسن
تدقيق: أكرم محيي الدين
المصدر
رابط المصدر